Perfume

“زيت البرتقال المثير للذكريات والحنين! ذكريات طفولتي مرتبطة به ..” من مذكرات ايميلي بوج (صانعة العطر من روبرتت)

Read this post in الإنجليزية

 

قصة أخرى ساحرة وعطرة من يوميات ايميلي بوج. حنين، ذكريات مليئة بالنعم، إليكم قصة أخرى من يوميات صانعة العطر ..

خلال عملي كصانعة عطور، كثيرا ما أجد صعوبة في تحديد مكون محدد مفضل من بين كل المكونات الرائعة المتاحة لنا. ففي النهاية، من وجهة نظري، كل مكون له رائحته الفريدة الخاصة ويضيف صفة معينة للعطر، لكن من ناحية أخرى، هناك واحد أجد نفسي أميل إليه في كثير من الأوقات. الزيت الأساسي لزهرة البرتقال، المعروف بصفة عامة بإسم نيرولي. زهرة البرتقال، المستخرج من زهور تنمو في تونس، زيت ناعم، مثير للحواس وفاخر له رائحة زهرية رقيقة.

الأصل

قبل أن أصحبكم عبر التعقيدات الساحرة لمكوني المفضل، دعونا نتوغل قليلا في التاريخ. كما أن للمكون تعقيداته، اسمه أيضا له قصة مثيرة جديرة بأن نذكرها. الاسم “نيرولي” مستمد من الأميرة “ماري- آن” التي كانت تنتمي لأسرة “لا تريموي” من نيرولا في ايطاليا، وهي التي منحت العطر شعبيته عندما استخدمته ليس فقط كعطر لها لكنه أيضا كان معطرا لقفازاتها ولماء استحمامها. ومع نهاية القرن السابع عشر، ومن خلال استخدامه لتعطير قفازاتها وحمامها قدمته للجميع ليكون عطرا مألوفا بينهم. وهكذا دخل البرتقال بقوة إلى صناعة العطور بإعتباره عطرا مفضللا للعائلة الملكية، وليس فقط لي!

 

بالنسبة لي، يرتبط ميلي للمستخرج الرقيق للزهرة بشدة بذكريات طفولتي. ففي بلدتي، اعتدنا أن نستخدم مستخرج زهرة البرتقال المر في إعداد الفوجاسيت، وهو خبز خاص في منطقة جراس معطر بماء زهرة البرتقال، وهو المفضل عندي! وحتى يومنا هذا، أجد رائحة زهرة البرتقال باعثة على الراحة لأنها تذكرني بطفولتي في بيت والدي في ضواحي جراس.

شجرة صانعي العطور الساحرة!

أتذكر بكل وضوح أنه، في هذا الوقت، كانت لدينا شجرة برتقال رائعة في حديقتنا الخلفية وعندما كانت الزهور تزدهر بالكامل، كانت الرائحة التي تعبق الجو فاتنة، إلى حد أنها حفرت مكانها في ذهني كذكرى لها خصوصيتها. هذه الجولات الطويلة سيرا على الأقدام والمناقشات الممتدة مع والدتي وجدتي في الحديقة في ليالي الصيف الساخنة وشجرة البرتقال في الحديقة، ربما تكون أجمل المناقشات التي تعود إلى ذهني من بين ذكريات طفولتي.

لم أكن أعرف أن تعرضي لجمال العطور القادمة من أبسط المكونات مثل شجرة البرتقال في الفناء الخلفي لبيتي يمكن أن تلعب مثل هذا الدور المحوري في جعلي المرأة وصانعة العطر التي أصبحت عليها اليوم. في الحقيقة، في صناعتنا، كثيرا ما يشار إلى شجرة البرتقال باعتبارها “الشجرة صانعة العطر”. هذه الهبة المذهلة من الطبيعة والتي تنمو في معظم الأحيان على طول سواحل البحر المتوسط، لديها الكثير لتمنحه لصانعي العطر. كل جزء من هذه الشجرة يمكن استخلاصه: الفاكهة (الزيت الأساسي للبرتقال) الأوراق (بيتيجران الزيت الأساسي)، الزهور (النيرولي، الزيت الأساسي، زهور البرتقال، ماء زهرة البرتقال، ماء زهرة البرتقال المركز) وكلها تستخدم في العطور.

الأمزجة المتعددة لملهمتي

النيرولي، متألق، مبهج، حسي ومنعش لكنه أيضا نهم، دائما يفاجئني بقوته وجوانبه المتعددة. هذا المكون الرائع يستمر في إلهامي وإسعادي برقته، نقائه، تلاشيه وقدرته على الكشف عن روائح مختلفة، تتفق مع إبداعي.

ولكي أتحدث أكثر عن السمة الخاصة لهذا العطر، أود أن أقول أن النيرولي له تأثير أخضر منعش ومتميز مع المزيج المناسب من الروائح الحلوة والزهرية. أؤمن أن هذا واحد من هذه المكونات القليلة التي تمنح العطر طابعا قويا للغاية. بفضل هذا التفرد، فإن النيرولي باهظ الثمن جدا ويجب أن أعترف أنه حتى بصفتي صانعة عطر هناك مشروعات نواجه فيها ضغوطا من حيث الميزانية. ومن حسن الحظ، لدينا بديل متاح في صورة استخدام البيتيجرين كزيت أساسي. وهو بدوره منتج آخر من شجرة البرتقال لكن الرائحة مختلفة جدا لأنه مستخرج من الأوراق. يمكن أن أوضح أن البيتيجرين كزيت أساسي له رائحة أكثر حدة، اخضرارا  (مشابه قليلا لرائحة عطر صمغ الراتينج)، أقل حلاوة وأقل ميلا لرائحة الزهور. لا شيء قريب من المفضل عندي، زهرة البرتقال البديعة.

الصعود والهبوط

أود أن أشارككم لغزا مثيرا مرتبطا باستخدام النيرولي، المكون المفضل عندي، وهو أنه لم يكن دائما ذائع الصيت كثيرا بين صانعي العطور. جاء وقت ارتبط فيه النيرولي بالعطور القديمة، مثل أكوا ميرابيليس، سلف ماء الكولونيا، كما نعرفه اليوم. وبفضل الطبيعة المتلاشية الممتازة للنيرولي، فقد زادت شعبيته بسرعة لكن سرعان ما بدأ الناس يشكون من هذه الصفة بالذات.

العودة الكبيرة!

ربما تراجعت شعبية النيرولي لسنوات قليلة. لكني أحب أن أحيي الجهود التي بذلها مبدعون مثل توم فورد ليقدم نيرولي بورتوفينو، وسرعان ما حذا آخرون حذوه. وهكذا فإن الوجوه المتعددة لمكون زهرة البرتقال استعادت مجدها الضائع. بالنسبة لي، الجمال والعطر الآسر لرائحة زهرة البرتقال تحمل مكانا خاصا جدا في ذهني. لقد واصلت استخدامه حتى عندما تجاهلته الصناعة. في الواقع، أذكر واحدا من أوائل نجاحاتي في العطور، منذ عشرين عاما تقريبا، وكانت شمعة معطرة تحمل رائحة القهوة وزهرة البرتقال.

من المثير للإهتمام، أني حاليا أعمل على عطر يعتمد على النيرولي الداكن، ليكون واحدا من إبداعاتي المقبلة. وإذا كنت لا أستطيع أن أكشف عن الكثير، فإني أحب أن أقول أنه اندماج مثير بين زهرة البرتقال والكاشميران، خشب الصندل الصيني، الجلد والمسك. وأنا أنتظر أن أقدمه لخبراء العطر في هذا الجزء من العالم.

 

Read this post in الإنجليزية

Current Issue